وقد تلاقت فيها القارات على موجة موسيقية تؤمن بأن الاختلاف قوّة وأن الإيقاع هو اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع دون ترجمة. وجاءت الموسيقى المنبعثة في أرجاء المسرح لغة للمقاومة والاحتجاج على انهيار القيم الإنسانية وصرخة في وجه الظلم وتعبيرا عن مساندة الشعوب المضطهدة وفي مقدمتها شعب فلسطين التي هتفت له هذه المجموعة بالحرية.
تشتهر "أديكت أميبا" بأنها مجموعة موسيقية إيطالية تنشط في حي كازوريتو التاريخي بميلانو. وتضم في صفوفها فنانين من خلفيات ثقافية وموسيقية متعددة ما يمنح أعمالهم طابعا عابرا للثقافات.
انطلقت هذه المجموعة سنة 2017 من نواة أولى مكونة من أصدقاء عزفوا الإيقاع والباص وعلى آلات نفخية كالساكسوفون، قبل أن تتوسع تدريجيا لتضم موسيقيين من أميركا اللاتينية وعازفين متمرسين في موسيقى البانك (Punk) وعناصر من فرق آلات نفخية شعبية.
وقدمت "أديكت أميبا" خلال سهرة الأربعاء 23 جويلية مزيجا متفرّدا من الإيقاعات الأفرو-لاتينية المتأثرة بالفلكلور الإفريقي وأمريكا الوسطى، فكانت مزيجا روحيا احتفاليا استلهم من الجاز الفانك المتوسطي والبانك الغربي. وأوجد هذا الإيقاع تزاوجا بارعا بين الآلات اللاتينية والإفريقية مع الآلات الغربية لتخلق صوتا متحرّرا بلا حدود سياسية أو جغرافية يجسّد فلسفة الفرقة القائمة على الأخوّة والتعايش.
ومنذ المقطوعات الأولى، بدا واضحا أن هذه الفرقة لا تؤمن بالحدود. وقد تجلى ذلك بوضوح في مزجها بين موسيقات مختلفة على غرار الفانك والبانك والجاز والأفروبِيت وطبوع المتوسط، وذلك ضمن بناء موسيقي ملون قائم على التفاعل الحي بين الآلات النفخية و الإيقاعات الراقصة. وتوالت المقطوعات الموسيقية مثل "Love Lava" و"Panamor" و"Furiosa" و"Ya Bled"، وصولا إلى "Nansa" التي كانت تحية ختامية وأعادت الجمهور إلى حلبة الرقص من جديد رغم حرارة الطقس التي لم تكن أقل سخونة من أجواء العرض.
وتميزت السهرة أيضا بحضور عدد من الجماهير الإيطالية التي أقبلت خصيصا لمتابعة فرقتها المفضّلة. وقد بدت كأنها تعيش حفلاً في قلب نابولي أو روما لا في جنوب المتوسط. كما لم يتأخر الجمهور التونسي من جهته، في مواكبة هذا المد الموسيقي الحي الداعي لنشر ثقافة الحب والسلام.
ووسط هذا الخليط الموسيقي الفريد، برز الفنان التونسي ربيع إبراهيم الذي انضم مؤخرا إلى "أديكت أميبا" ليصبح أحد عناصرها الأساسية. وأثبت ربيع على الركح، وهو في الأصل فنان مهارة عالية في العزف على آلة الشقاشق والطبل.
*// "أديكت أميبا" في ندوة صحفية: لا نعترف بالحدود... وموسيقانا دعوة للحرية والتأمل في التاريخ //*
وأكد عضو فرقة "أديكت أميبا" باولو تشيروتو، خلال الندوة الصحفية التي انتظمت بعد العرض، أن المشروع الموسيقي الذي يقوده يحمل أبعادا إنسانية وسياسية، رغم اعتماده أساسا على التعبير الموسيقي دون خطاب مباشر. وأوضح أن فرقتهم تسعى إلى كسر الحدود السياسية والجغرافية والموسيقية من خلال دراسة موسيقات العالم ومزجها في قالب جديد يوصل رسالة احترام الثقافات والتقريب بينها.
وأشار تشيروتو إلى أن الحفل الذي قُدّم في تونس يندرج ضمن مشروع مدعوم من المعهد الثقافي الإيطالي بتونس ضمن مشروع "شلوق"، ويهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي بين تونس وإيطاليا ويستحضر روابط تاريخية قديمة من بينها موجات الهجرة السيسيلية نحو تونس قبل أكثر من قرنين.
وفي تعليقه على اسم الفرقة "Addict Ameba"، أفاد تشيروتو أن التسمية لها أبعاد رمزية مزدوجة، قائلا إنها تحيل من جهة إلى الإدمان بمختلف أنواعه، ومن جهة أخرى تشير إلى "الأميبا" ككائن يرمز إلى الكسل والجمود في دعوة ضمنية للناس إلى الاستفاقة وكتابة مصيرهم بأنفسهم. كما بيّن أن للاسم صدى صوتي مع "أديس أبابا" عاصمة إثيوبيا، في إشارة إلى حبّهم لموسيقى الجاز الإفريقي وخصوصا أعمال مولاتو أستاتكي.
وأكد تشيروتو أن هذا المشروع الفني يمثل أيضا دعوة للتفكير في التاريخ الاستعماري الإيطالي الذي غالبا ما يهمّش في المناهج التعليمية والخطاب الرسمي، رغم ما شهدته فصوله من عنف خاصة في ليبيا وإثيوبيا. وأضاف أن الفرقة تحرص على الجمع بين الفن والموقف السياسي سواء من خلال الموسيقى أو من خلال المواقف الشخصية لأعضائها.
من جهته، كشف الفنان التونسي ربيع إبراهيم عن تفاصيل انضمامه إلى الفرقة، حيث أوضح أنه تعرّف على "أديكت أميبا" خلال فعاليات ثقافية في ميلانو في إطار مشاركته في مشاريع مسرحية وموسيقية. وأفاد أنه أعجب بأداء الفرقة وتفاعل معها تدريجيا إلى أن شارك في تسجيل أغنية "يا بلاد" ضمن ألبومها الثاني، ليصبح لاحقا أحد أعضائها الأساسيين ويعزف فيها على آلتي الشقاشق والطبل جامعا بين خلفيته المسرحية وحسّه الإيقاعي.
ويتواصل نبض الإيقاعات على مسرح الحمامات، حيث يلاقي الجمهور في سهرة اليوم الخميس 24 جويلية الفنان سيلاوي وهو مغني وكاتب وملحن أردني من أصول فلسطينية، برز خلال السنوات الخمس الماضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث حقق شهرة واسعة وزادت قاعدته الجماهيرية بشكل ملحوظ.