رياض الفهري ينسج لوحة كونية على ركح قرطاج الدولي

"البساط الأحمر 2" امتداد لمغامرة موسيقية أولى تحمل الإسم نفسه، تنسج بخيوط الألحان والألوان لوحة فنية من كل أنحاء العالم وتشكل معالم رحلة حسية ساحرة تجول بالجمهور بين ثقافات مختلفة. 

قبل السفر في ثنايا التراث الإنساني والموسيقى الشعبية، طالع الجمهور مقتطفات من مسلسل "المايسترو" وهو من فكرة وموسيقى رياض الفهري وسيناريو عماد الدين حكيم وإخراج الأسعد الوسلاتي، وهو يصور أثر الموسيقى في نفسيات ووعي الأطفال في مراكز الإصلاح. 

"وحدها الموسيقى قادرة على تغيير العالم" تختزل هذه الكلمات المشاهد التي مرت على الشاشة وتشي ببعض من ملامح العرض الذي تغير فيه وجه العالم  فصار مساحة رمزية تماهت فيها  الأنغام التونسية والإسبانية والإيطالية، مع موسيقى الكانتري وغيرها من التلوينات الموسيقية. 

ومع تواتر اللوحات الفنية على الركح يتخطى العرض بعده الموسيقي ليتحول إلى كرنفال حيّ، وسفر حسّي عبر الزمن والجغرافيا، تتقاطع فيه الإيقاعات والنغمات، وتتشابك فيه الألوان الصوتية من أقصى الشرق إلى سيسيليا الايطالية..

في توليفة فنية تسعى إلى كسر الحواجز بين الأنماط الموسيقية والثقافات، يخلق العازفون والمغنون مساحة مشتركة للاحتفاء بالجماليات الإنسانية على إيقاع تصور يقوم على الانفتاح على الثقافات، والتجريب الموسيقي، وبناء جسور صوتية بين الشعوب وفي كل مرة اختار الفهري آلة كي تحيّر السؤال -مجازا-  وتأتيها الاجابة من نظيرتها فنجد مثلا الكمان والناي والترومبات والقانون والدرامز وباقي الفرقة الموسيقية.. ثنائيات أسس بها الفهري عرضا شد انتباه الجمهور إلى آخر لحظة فيه.

 

عبر "بساط أحمر 2" ، يقدّم رياض الفهري رؤية  خاصة  لفكرة الكونية الفنية، وهو لا يكتفي باستحضار أنماط موسيقية من الشرق والغرب، بل يُعيد تركيبها ضمن إطار إبداعي جديد تصدح فيها أصوات مختلفة بالغناء بأكثر من لغة ولهجة فتتجلى العربية والإسبانية، والإيطالية والإنجليزية والعامية التونسية. 

ومن بين الاستعادات العالمية تجلت أغنيتي "سيدي منصور" و "مااحلى ليالي اشبيلية" في توزيع بعث فيها روحا جديدة دون أن يفقدها رونقها ليحتفي بها جمهور قرطاج ويتفاعل معها.

بين أنماط موسيقية مختلفة تنقل برنامج العرض بسلاسة من الموسيقى التونسية  إلى الفلامنكو الإسباني، ومن الجاز الأمريكي إلى الكانتري، مرورا بأنغام المتوسط، في انصهار شد إليه الجمهور.

وفي اتساق تام مع شعار المهرجان "تاريخ يتحكّى، فنّ يتعاش"، روت كل لوحة موسيقية تاريخا بعينه وشكلت حياة بأسرها فيما تماهت تجارب عازفين من تونس ومن بلدان أخرى 

على غرار ساياكا كاتسوكي (اليابان) التي أوجدت نقطة التقاء بين الشرق والغرب على أعتاب الأوتار وبرينان جيلمور (الولايات المتحدة) الذي وشح العرض بمسحة من الجاز والبلوز ومارسيلو بيوندوليلو (إيطاليا) الذي استحضر زخم الموسيقى المتوسطية. 

وفي مشهدية تتماهى فيها الطرافة والخيال والفرادة، أوجدت "Orchestra Playtoys"، ألحانا مخصوصة عبر آلات هي في الأصل ألعاب الأطفال، في تجربة حملت الجمهور إلى عوالم الطفولة وبرهنت على أن الإبداع يحافظ على عهد البراءة الأول ويبقى وفيّا لها.

وعلى صوت إسراء بن سليمان في أغنية "إسراء تحلم بفلسطين" رفرفرت رايتي تونس وفلسطين على الشاشات وكانت كل تفاصيل الأغنية بمثابة الحلم، لحنا وكلمات، حيث تجلت فيه القدس منتصبة والزيتون شامخا.

لم يقتصر عرض"بساط أحمر 2"   على الجانب السمعي، بل مثل أيضا لوحة بصرية  بفضل الإضاءة المدروسة، والإخراج الركحي الديناميكي، والتفاعل الحي بين العازفين والارتجال الذي شارك فيه الجمهور كما ظهرت  بصمة رياض الفهري كمؤلف موسيقي قادر على إدارة حوار موسيقي بين ثقافات متعددة، وخلق وحدة فنية من عناصر شديدة التنوع، فحافظ على تماسكها من حيث البناء اللحني والإيقاعي، رغم التعدد الكبير في الأنماط والمصادر. 

وكان جمهور قرطاج شريكا في التجربة فقد تفاعل مع كل انتقال لحني، وكل دخول لآلة جديدة أو صوت جديد على نسق عرض تأملي وجمالي عميق، تمثل فيه الموسيقى مساحة لقاء، ومجال تبادل.

Sat Lights

شارك في نشرتنا الاخبارية واحصل على صور حصرية & ورسالتين اخباريتين كل شهر