جمهور غفير جدا متعطش للضحك، لم يخذل الممثل كريم الغربي في أول امتحان له على ركح مهرجان قرطاج، ومنحه "تأشيرة" النجاح الفني والجماهيري.
بطريقة لا تخلو من كوميديا سوداء، خيّر كريم الغربي افتتاح عرضه بفيديو قصير يصوّر منعه طيلة سنوات من دخول المسرح الأثري بقرطاج رغم محاولاته العديدة، وينهي هذا الفيديو بتحويل هذا الحلم الى حقيقة ليعتلي كريم الركح تحت تصفيق حار من جمهوره.
محملا بحقيبة سوداء يستهل كريم الغربي مسرحيته بطريقة ارتجالية مشاكسا جمهوره، فجاءت مداخلاته في شكل الهزل الذي يراد به الجدّ حيث عرج على مواضيع حارقة منها أسباب المشاكل بين الأزواج التي تؤدي في مجملها الى الطلاق، كالعلاقات السامة وعدم الاهتمام وانعدام الثقة وغيرها من الأسباب.
تنطلق أولى مشاهد مسرحية "فيزا" بحديثه عن عائلته التي ضحت بالكثير من أجل توفير حياة كريمة له وهو ما جعله يشعر بالمسؤولية ويتفوق في دراسته علّه يعوّض والديه سنوات التعب والمعاناة لكن مجرّد دخوله معترك الحياة المهنية يصطدم بواقع خيّب كل آماله .. وأمام شعوره بالغبن وانسداد كل الآفاق أمامه وعجزه عن ايجاد عمل يلجأ الى العالم الافتراضي وتنطلق رحلة بحثه عن أجنبية تساعده على الهجرة والعبور الى الضفّة الأخرى.
في الأثناء يتعرف كريم على فتاة بلجيكية جميلة تدعى "آنّا" فتتضاعف أحلامه ويرتفع سقف أمنياته ولاكتمال الحلم تزوره حبيبته البلجيكية مرفوقة بمسنّة تكون من نصيب صديقه الصفاقسي محرز، وهنا نشير الى تمكن كريم الغربي من إتقان اللهجة الصفاقسية من خلال شخصية "حروز" التي أضفت على العمل جانبا هزليا حيث تفاعل معها الجمهور بشكل كبير.
بإقحام شخصية "أنّا" في التسلسل الدرامي للأحداث ينتقد كريم الغربي بأسلوب هزلي ساخر عديد الظواهر الاجتماعية بداية بالإجراءات الإدارية المعقدة مرورا بالسكيزوفرينيا التي يعاني منها البعض انطلاقا من عائلته التي ترفض في البداية ارتباط ابنهم بأجنبية لكنها تتنازل أمام الإغراءات.
كما يعرّج كريم الغربي في مسرحيته على موضوع الزواج والشروط المجحفة التي تضعها بعض العائلات التونسية وبطريقة فيها الكثير من السخرية يتحدث الغربي عن بعض العادات والتقاليد في حفلات الزواج التونسية.
"فيزا" كوميديا سوداء نقد من خلالها كريم الغربي الواقع التونسي من البنية التحتية المتهرئة كانتشار الحفر والأوساخ في شوارعنا الى تجاوزات بعض المسؤولين مرورا بالرشوة والانتهازية والبيروقراطية الإدارية وانتشار ظاهرة التحرّش و"البراكاجات"، وتجاوزات بعض الأمنيين ضد المواطن، والعلاقات الأسرية المفتقرة للحب حيث يتحدث كريم الغربي عن العلاقة الفاترة بين الأب وابنه، ونشير الى أن عرض كريم الغربي لمسرحية "فيزا" تزامن مع الذكرى الأولى لوفاة والده وهو ما جعله يتأثر حدّ البكاء.
أما المشهد الثاني من هذا العمل المسرحي، فيصوّر نجاح كريم في تحقيق حلمه وهو الهجرة، لكن هناك في بلجيكا يصطدم بواقع مغاير لواقعنا وبتقاليد وعادات لا تشبهنا ، ويتحدث عن صعوبة التأقلم والاندماج مع المجتمعات الغربية، حيث يفتقر المهاجر الى الدفء العائلي والى تفاصيل الحياة اليومية، واقع يجبر كريم على تعديل موقفه والعودة الى أرض الوطن.
"فيزا" وان مان شو من تأليف أحمد الصيد ونورالدين بوحجبة، جمع بين الضحك والرسائل الرمزية التي تؤكد على حب الوطن وكون الهجرة لا تشكل الحلّ أحيانا.
ساعتان من الضحك المتواصل تمكن خلالهما كريم الغربي من شدّ الجمهور الذي لم يبارح مكانه الى نهاية العرض حيث نجح في محاكاة الواقع فكان عمله عبارة عن مرآة عاكسة لتونس اليوم بأسلوب لم يخل من سخرية ونقد لاذع.
وفي الندوة الصحفية التي تلت العرض مباشرة بالمركز الإعلامي للمهرجان، عبّر كريم الغربي عن سعادته بالحضور الجماهيري الكبير، كما أطنب في الحديث عن تكوينه الأكاديمي الذي مكنّه من إنجاز عمل يستجيب لمقومات العمل المسرحي.