وفي تقديمه للجلسة ذكر الياس رابحي الذي أدار الحوار أن مؤشر المطالعة في تونس أو معدلها 0,58 أي اقل من كتاب وحيد في العام واعتبره معطى خطيرا جدا لأنه أقل بكثير من معدل الجريمة والطلاق والانحراف بصفة عامة وقال:" ونحن نعرف أن ارتفاع معدل القراءة يخفض بالضرورة نسبة الجريمة والانحراف في أي بلد" وركز الأستاذ العربي شرعبي في مداخلته "الموقف القرائي: بناؤه ونماؤه" على الموقف القرائي ( وهو مشروع مجتمعي) من حيث البناء ومن حيث النماء والزمن المناسب لأن الموقف يبنى قبل المدرسة وهنالك عوامل تيسره كي لا يعزف الطفل عن المطالعة عندما يكبر وتضطلع العائلة بدور كبير فيه بعدها تأتي مرحلة التمدرس.
ثم أشار العربي شرعبي إلى حاجة مجتمعنا للموقف القرائي وقدم مؤشرات نوعية وكمية عن مسألة القراءة عند الأطفال وعن الوسط المادي والبشري المدرسي والمكتبي وختم باقتراح مجموعة استنتاجات وتوصيات إجرائية مثل أهمية مرونة التكيف والتخلي عن الصلابة في الموقف لفائدة تطوير الرغبة في القراءة. وشدد الأستاذ أحمد خواجة مدير قسم علم الاجتماع بجامعة تونس في مداخلته عن "الأمن الثقافي: نحو بناء مواطنة حاضنة للناشئة والشباب في تونس"على أن مفهوم الأمن الثقافي مثله مثل الأمن العسكري والأمن السياسي والأمن الاجتماعي والأمن المائي والأمن الغذائي وهو حاجة متأكدة وملازمة للمواطنة لأنه يحمي الأخلاق ويضع الضوابط والحدود ويتطلب تدابير وقائية علاجية وأخرى زجريّة ويقدم الأمن الثقافي اليوم بعد الهجمة الاتصالية وطغيان الصورة على الكتاب والمقروء على أنه "السلاح القوي القادر على مواجهة الجماعات العربية المتشددة فكريا والتصحر الثقافي.. والضامن لمبدإ احترام الاختلافات الجنسيّة والعرقيّة والثقافيّة والعمريّة والإثنيّة والعقائديّة... وفي هذا الإطار تساءل المحاضر عن الكيفية المثلى لتقديم مسألة السلم والحرب للأطفال وتفسير ما يشاهدونه يوميا من حروب وقتلى وجرحى وما يسمعونه من فرقعة القنابل وأزيز المدافع وانفجار الشظايا وقال :"طالما أن الأمن الثقافي هو السلاح القوي في الحرب كما في السلم فكيف نحكي للأطفال عن الحرب بأسلوب يؤسس لعالم السلم؟ " وعن الوضع في تونس ذكر المحاضر أن إحصائيات أعدها البنك العالمي عن شباب تونس أشارت إلى أن 33 بالمائة من شباب الفئة العمرية 15 إلى 29 سنة هم حاليا خارج دوائر الإنتاج والدراسة والتكوين وهي من أعلى النسب الموجودة في البلدان المغاربية وتشتغل هذه النسبة في الاقتصاد الموازي السري وتحتضنها الجوامع ثم يستقطبها الإرهاب لتنشط في الأخير في مجال المخدرات. كما أن التونسيين لا يخصصون وقتا للفضاء العام وزمن الترفيه لديهم قصير جدا وأغلبه مخصص للتلفزة والمقهى. والتونسي يخصص 3 دقائق للمطالعة ودقيقتين للراديو و7 دقائق للتظاهرات الثقافية والطالب عندنا في تونس لا يطالع ولا يزور المتاحف والمعالم الأثرية ويحجم عن عقد الصداقات التي أصبحت تقتصر على صداقات القربى والعشيرة والجهة وهذا يفيد الانغلاق التام . كما أن مقررات المدرسة عندنا لا تساعدهم على تكوين فكرة صحيحة عن الحرب والسلم. وتحدث سالم بن حسين وهو حافظ رئيس للمكتبات والتوثيق، أمين المكتبة العمومية بعقارب في محاضرته عن دور المكتبات العمومية في ترسيخ ثقافة المطالعة ووضح أن المكتبات العمومية لم تعد تكتفي بالوظيفة الاختزانية القائمة على حفظ الوثائق وتنظيمها وتحليلها وإتاحتها، وإنما انخرطت في مشروع الترويج لفعل المطالعة عبر تنظيم الفضاء وانتهاج أسلوب الجودة الشاملة والاستفادة من الطرق المستحدثة في مجال التسويق المعرفي، أو من خلال سلسلة من البرامج والأنشطة والفعاليات المتنوعة التي تستهدف مختلف فئات المجتمع لإبراز قيمة الكتاب والوثيقة وللترغيب في المطالعة والحث على ارتياد هذه المكتبات. ولاحظ محمد المي أن نسبة القراءة تراجعت كثيرا لترتفع نسبة الأمية في تونس وطالب بخطة وطنية واضحة للنهوض بالكتاب وتعاون كل الوزارات على تأسيس المكتبات في كل الفضاءات وقال :"على البلديات التي أصبحت اليوم تمارس الحكم المحلي أن تنشر المكتبات وتعتبرها من متممات تنمية الأحياء." واختتم اللقاء الدكتور ماهر بوصباط وهو مختص في اللّغة والآداب العربية من كلية الآداب بمنوبة بمداخلة عنوانها "القراءة في عصر الرقمنة" وتساءل خلالها عن معنى أن نقرأ في البراديغم الرقمي؟ وكيف نستثمر المكتسبات الرقمية في تطوير ثقافة القراءة؟ وإلى أي مدى يمثل هذا السياق الجديد عاملا من عوامل تعزيز هذه الثقافة؟