تشهد صالة المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة بيروت ازدحاما للبنانيين المغادرين بلادهم في مشهد غير مسبوق، لا يخلو من دموع الحسرة على رحيل قد يكون هذه المرة بالنسبة لكثر فراق طويل، بسبب الأزمات التي تعصف بالبلاد.
على مدار أيام الأسبوع الماضي وفي موعد سابق للمعتاد بالنسبة لبرنامج عودة المغترب اللبناني، أعداد كبيرة من العائلات والشابات والشباب الذين يغادرون بواباب المطار، فيما ذويهم يودعونهم ويرجونهم عدم العودة.
لم تبقِ الأزمة مجالا للتمايز الطبقي بين اللبنانيين، فجميعهم سواسية في المعاناة، إذ يبحث الفقير كما الغني عن الكهرباء، ويبحث كلاهما عن الدواء والمحروقات، وقد عطل شح المحروقات دورة اقتصادية كاملة.
ويقول أحد العاملين بالقطاع الخاص، يتقاضى راتبه بالدولار، لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم تعد تهمني عملة الراتب، معي جنسيتين وأبحث عن عمل في الخارج".
وأضاف متسائلا: "لماذا أبقى في بلد يذلني؟، أستيقظ صباحا في العتمة وأحيانا لا أغسل وجهي بسبب انقطاع المياه والكهرباء، وأمضي ساعات على الطريق لأصل إلى مكان العمل في خلدة. يوجعني فقدان الدواء، أخشى على أبنائي، هناك الكثير من القصص لا تنتهي لسبب التفكير بالمغادرة ناهيك عن الخوف من الحصار ولا أحد يشجعك على البقاء".
وقالت كارين الحص، وهي مديرة مكتب سفريات في بيروت، لموقع "سكاي نيوز عربية": "تفوق أرقام المسافرين الخيال، وخصوصا الذين قرروا مغادرة لبنان دون عودة. معظم هؤلاء عائلات، منهم من توجه إلى الأردن ومصر، لكن الغالبية اتجهت نحو تركيا والهدف تعليم أولادهم. لا يريدون لأبنائهم الموت عند محطة بنزين".
ويخيم الإحباط على اللبنانيين في المطار، حيث تكتظ صالات المغادرة إثر موسم عودة المغتربين، الذين قطعوا إجازاتهم واستبدلوا حجوزاتهم بعد أن كانت مقررة منتصف شهر سبتمبر المقبل.
يودع مازن العلي ابنته التي سافرت إلى فرنسا لدراسة الطب، ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": كنت أتمنى متابعة دراسة ابنتي هنا في لبنان، حاليا أودعها وأشجع شقيقتها على اللحاق بها عند الانتهاء من دراسة الثانوية، هذا إذا استطاعت، فهذا البلد ليس لنا".
وأضاف: "لدي عدة سنوات قبل أن أصفي مؤسستي التي بنيتها منذ 40 عاما، وألحق بأولادي، لا أريد أن يختبروا الذل والقهر الذي اختبرته".
أما الممرض جان خوري فيقول لموقع "ـسكاي نيوز عربية": "لا خيار أمامنا سوى الهجرة، فالرحيل اليوم له إيجابياته. لا أريد أن تستحوذ الدولة والمصارف على أموالنا، أو يستفيد المارقون من جني عمرنا عبر الحصول على قروض مصرفية".
من جانبها، قالت عائلة الأسعد العائدة إلى دولة عربية بعد قطع إجازتها: "عائدون وفي قلوبنا حسرة أكبر من تلك التي حملناها بحقائب الأدوية أثناء قدومنا. لم نكن نقدر كل هذا الذل علما أننا شاهدناه عبر الإعلام. عشناه وشعرنا بمرارة الغربة في لبنان وها نحن عند بوابة المغادرة قبل موعد نهاية إجازتنا بعشرين يوما. يكفينا ألما".
وتعليقا على مشهد بوابات المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي، قال نقيب مكاتب السفر في لبنان، جان عبود، لموقع "سكاي نيوز عربية": "اللبنانيون قطعوا إجازاتهم ليعودوا من حيثما أتوا، إذ كان من المقرر أن يبقوا في البلاد حتى الثاني عشر من سبتمبر أو حتى نهايته، لكن وبسبب ما عاشوه من أزمات، وعدم الشعور بالأمان، شهدت الحجوزات مسارا غير مسبوق بالتغييرات وتقديم موعد السفر".
وأضاف: "بدأ الموسم بزخم، حملوا الأدوية وحليب الأطفال وشهد المطار دخول أكثر من 12 ألف راكب خلال النهار فقط. معظمهم كان ينوي العودة في الثاني من سبتمبر، إلا أنهم رحلوا في لهيب أغسطس هروبا من طوابير الذل".
وختم عبود حديثه قائلا: "سابقا كان لكل 4 مرضى في لبنان ممرضة واحدة تقدم لهم الرعاية، اليوم أصبح هناك ممرضة لكل 20 مريض، والأوضاع في الطريق إلى الانهيار أكثر فأكثر"