بعد عام على تنفيذ إسرائيل عملية استخباراتية غاية في السرية في غزة، والتي جرت ليلة 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كشفت المقاومة الفلسطينية لأول مرة تفاصيل ما أسفرت عنه العملية، وذلك خلال برنامج «ما خفي أعظم» الذي بثته قناة الجزيرة، مساء الأحد الأول من ديسمبر/كانون الأول 2019. بدأت الحكاية عندما شك مقاتلون بالجناح العسكري لحركة حماس في سيارة كبيرة كانت تجوب شوارع مدينة خان يونس، فأوقفوها بغرض التحقق من هوية أصحابها، قبل أن يتحول الأمر إلى معركة من مسافة الصفر، بين أخطر وحدة استخباراتية إسرائيلية ومقاتلين من كتائب القسام.
تفاصيل ما كانت تخطط له إسرائيل من هذه العملية
بالرغم من تمكن إسرائيل من إنقاذ عناصر وحدتها الخاصة «سيريت متكال» التي تسللت إلى القطاع، وقام سلاحها الجوي بتدمير السيارة التي استخدمتها الوحدة، إلا أنها خسرت قائد المجموعة، وإصابة مساعده، فيما حصلت كتائب القسام على ما وصفته بـ «كنز استراتيجي» من المعلومات، كشفت عنه لأول مرة لقناة الجزيرة. فبحسب قائد في جهاز الاستخبارات بكتائب القسام، فإن العملية كانت تستهدف زرع منظومة تجسس لاختراق شبكة اتصالات المقاومة في قطاع غزة. شكلت هذه الشبكة التي حاولت إسرائيل استهدافها تغيراً في قواعد الصراع، حيث تم بناء نظام حماية يعمل بشكل آلي ومزود بطبقات حماية ووحدات للمراقبة والتحليل، كما صرح بذلك المهندس التقني في سلاح الإشارة بكتائب القسام أبوسلمان. حاول الجيش الإسرائيلي إخفاء أثر المعدات التي استخدمتها الوحدة، إلا أن كتائب القسام تمكنت من العثور عليها، فوجدت بعد عمليات التحقيق أكياساً عسكرية تحتوي على أدوات الحفر ومسدسات كاتمة للصوت وأغطية عازلة لصوت ضجيج المعدات أثناء العمل. هذه «الغنائم» وثقتها كتائب القسام بالفيديو، وعرضتها في لقطات حصرية على قناة الجزيرة، ورافقها لقطات حصرية لأفراد من الوحدة التي تشرف على تأمين وتشغيل شبكة الاتصال الخاصة من داخل أحد الأنفاق السرية تحت الأرض. بعدها بأيام تمكنت كتائب القسام من كشف منظومة تجسس إسرائيلية أخرى، قام الجيش الإسرائيلي بزرعها بواسطة عملاء في منطقة «الزوايدة»، لكن المقاومة أفشلت هذا المشروع الاستخباري، رغم مقتل عدد من كتائب القسام أثناء العملية.
ما بعد العملية إنجاز كبير
تجاوز جهد كتائب القسام حدود قطاع غزة، فقد استفاد مقاتلوها مما خلفته العملية من معدات لم تستطع الطائرات الإسرائيلية تدميرها. هذا الأمر، مكّن المقاتلين من اختراق أجهزة الوحدة الإسرائيلية والسيطرة على تسجيلاتها، ما ساعدهم على التعرف على الهويات الحقيقة لعناصر الوحدة، رغم أن أفرادها دخلوا القطاع بهويات فلسطينية ورخص قيادة لأسماء أشخاص حقيقيين من عائلة واحدة تعيش في غزة بالمواصفات والأعمار نفسها. لم يقف الكشف عند هذا الحد، فقد تمكنت المقاومة من كشف أماكن تدريب عناصر الوحدة التي تعد من أكثر الوحدات سرية في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، إضافة إلى كشف أدوارهم ومسار رحلتهم التي ساروا بها للدخول إلى قطاع غزة. الأمر الآخر الذي كشفته المقاومة هو أن الوحدة الخاصة الإسرائيلية استخدمت معدات دخلت غزة بغطاء منظمة إنسانية دولية. تعتبر «سيريت متكال» أبرز وحدات النخبة الإسرائيلية، وتأتمر بشكل مباشر من رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، وقد أنشئت عام 1957، بهدف تنفيذ عمليات خاصة وسرية خلف خطوط القوى المعادية، لكنها ظلت سرية وغير معترف بها حتى أواخر الثمانينات. تعد شروط الانضمام إليها الأكثر تعقيداً بين الوحدات، كما يتخرج فيها قادة للكيان في المجالات كافة، وكان من أبرز أعضائها إيهود باراك، وبنيامين نتناهو، وشاؤول موفاز.