"الحضرة" للفاضل الجزيري في الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي

"الحضرة" للفاضل الجزيري في الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي

رغم أن جمهور مهرجان قرطاج تابع أكثر من "حضرة" للفاضل الجزيري كان أولها منذ ثلاثين عاما إلاّ أنه في سهرة الخميس جاء بأعداد كبيرة محتلاّ كافة فضاء المسرح الروماني ليتابع "حضرة" أخرى من منجزات الفاضل الذي ما انفكّ يطوّر ويجدد أساليب تقديمها وموسيقاها محاولا في كلّ مرة المحافظة على جوهر الفعل وهو "المنطوق" المتمثّل في التسابيح والأذكار والإنشاد الديني وكلّ ما يمثّل ذلك التراث الثري الذي تزخر به بلادنا ويتنوّع من منطقة إلى أخرى.

منذ اللحظة الأولى امتلأ الركح بكلّ عناصر العرض وخصصت المساحة أسفل المسرح للراقصين من الشبان والفتيات، إخراج ركحي مبهر وتوزيع متناغم ومتجانس مع روح العرض ومقاصده، الكلّ مستعدّ للسفر في رحاب الصوفيّة ومهيّأ نفسيّا وروحيّا لبلوغ حالة الصفاء... لحظة السفر اختار لها الفاضل لغة جديدة حيث لم يعمد لاستدعاء الجمهور بطريقة تقليدية مألوفة على إيقاع الدفوف والتصفيق بالأكف وإنما استدرجه على إيقاع الساكسفون، آلة لا تشبهنا ولا تجاري أفكارنا ولكنها مع الات غربية أخرى استعملها في العرض كالغيتار والباتري والأورغ صارت جزءا من تجربة موسيقية امتزجت مع الطبلة والدفوف لتخلق توليفة فنيّة محيّرة، غريبة وساحرة في نفس الوقت. بدأ العرض أو حلقة الذكر بفاتحة الكتاب والدعاء بنسق هادئ يرتفع تدريجيا مع أغان صوفية متداولة يحفظها الجمهور ويرددها على غرار "يا شيخ محزر" و" طالت الأشواق" و"يا لطيف الصنع" و"نادوا لباباكم" و"الليل زاهي" و"خمّر يا خمار" و"يا شاذلي" و"البردة" و"جد الحسنين" و"يا رايس الإبحار" و"يا فارس بغداد".... وغيرها من الأناشيد والأذكار التي خلقت حالة من النشوة القصوى في صفوف الجماهير بنسق تصاعدي مدروس أدى إلى "تخميرة" يصعب وصفها خارج ذلك الإطار أو بعد نهاية العرض.

"الحضرة" توفّرت على مجموعة من الأصوات الشجيّة التي أدّت الأغاني الصوفية بإحساس مرهف يلامس شغاف القلب انعكس على تفاعل الجمهور فنسي المكان والزمان وحلّق في عالم صوفي عنوانه صفاء الروح ونقاء النفس، من بين تلك الأصوات نذكر هيثم الحذيري وسمير الرصايصي ورياض وغيث الصغير ومحمد غديرة ومنذر العاشوري ويحيي وعلي الجزيري...

لم يكن عرض "الحضرة" في شكل لوحات متغيّرة وإنما كان مشروعا فنيّا متكامل العناصر من حيث الإخراج الركحي والسينوغرافيا وسائر المتممات المبهرة، كان طقسا كاملا في سحر الإيقاع وسرعة التقبّل تواصل على امتداد ساعتين أو تزيد قليلا ليفوز برهان الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي التي حرصت على التنويع والتجديد لتوسيع القاعدة الجماهرية وتوفير عنصر الاكتشاف والدهشة من عرض لآخر.

خلال اللقاء الصحفي الذي انتظم إثر العرض مباشرة سُئل الجزيري عن الفرق بين ما قدّمه في "الحضرة" الأولى وما تلاها من عروض فأجاب بأن الفن المسرحي يفرض التطوير الدائم "لا أذكر أني قدمت عرضا يشبه ما سبقه" وأضاف أنه قبل أن يكون فنانا فهو مواطن يعرف البلاد بكل جزئياتها، أزقتها وأنهجها وشوارعها وسلوك سكانها وأفكارهم... كلّ شيء متغيّر ونحن مطالبون بمواكبة المتغيّرات فنيّا، وهو أمر قد يروق للبعض وينكره البعض. التغيرات التي نحدثها على العمل تعتبر طفيفة لكنها تبقي العرض حيّا.

وأمام نجاح العرض "الحضرة" فنيّا وجماهيريا ليلة الخميس 18 أوت سئل الفاضل إن كان حقق عرضه الأمثل فأجاب " من الصعب أن نحقق العرض الأمثل نحن في سنة 2022 والعالم كله أمامنا بكلّ متغيراته وثوراته التكنولوجية، نحن نعمل بدافع الواجب لنستشرف ما سيأتي لذلك من الضروري تطوير العمل وأساليبه وكيفية طرحه، لكن العرض المنشود ما زال بعيدا إلاّ في حالة الاعتراف به عالميا" وعن علاقته بالجمهور وسرّ هذه الرغبة لمتابعة أعماله أفاد أنه يعتبر الجمهور صديقا مقربا ومتميّزا يرافقه منذ السبعينات زمن عرض "غسالة النوادر" إلى الآن...

و"الحضرة" عرض يحكي مع شباب اليوم الحاضر بكثافة في قرطاج والأغاني التي أدّاها الشباب هي جزء منه ومن تكوينه وثقافته... الفاضل تحدّث أيضا خلال هذا اللقاء الصحفي عن الحضور النسائي في العرض وعن الأسباب التي تحول بيننا وبين العالمية وعن فنانين وأدباء كبار انتهجوا طرقا صوفية بمفهومهم وثقافتهم كما تحدّث عن الفيلم الذي سيبدأ تصويره في بداية 2023 عن مقتل الزعيم فرحات حشاد وعن عمل درامي ينوي إنجازه عن الدغباجي لسبر أغوار معنى الجهاد والثورة من أجل كرامة وعزة الوطن.

 

Sat Lights

شارك في نشرتنا الاخبارية واحصل على صور حصرية & ورسالتين اخباريتين كل شهر
Casibom