كان حسن نصر سعيدا بالدعوة التي وجهها له بيت الرواية وبالحضور النوعي الذي شغل مقاعد قاعة صوفي القلي بمدينة الثقافة، واستهل شهادته بلفت النظر الى ان الكتابة تحتاج الى قراءات كثيرة وزاد معرفي وتجارب متراكمة ووعي بالذات وبكل ما يحدث في الوطن وفي العالم ومحاولات مكثفة لمعرفة الانسان في صراعه مع الطبيعة ومع نفسه ومع أخيه الإنسان. ولكي نكتب يجب أن يكون لدينا ما نقوله ورغبة في تغيير الواقع. وقال: "كانت الثورة الجزائرية على اشدها في سنوات 57 و58 من القرن الماضي وكنت اتابع اخبارها فيوجعني قلبي أتأثر بكل ما يجري من تعذيب وفظاعات فكتبت قصة قصيرة عنوانها "دمعة كهل" وهي أول قصة أكتبها تصور استيقاظ الضمير الإنساني أمام بشاعة التعذيب.. أرسلتها إلى مجلة الفكر فنشرتها في جانفي 1959 كاملة كما كتبتها من ثمة كسبت الثقة في نفسي وراسلت المجلة طيلة ثماني سنوات ونشرت لي دون أن يعرفني أحد."
كتب عن التعذيب والمقاومة فترجم كتابه للروسية
حسن نصر عايش انطلاق شرارة الثورة التونسية في 18 جانفي 1952 وحضر الكثير من أحداثها فكتب قصصا حول المقامة وجمعها في كتابه "ليالي المطر"
وفي سنة 1964 رجع من العراق حيث كان يدرس إلى تونس فتعرف على الكتاب والشعراء والرسامين والصحافيين وشارك في تركيز نادي القصة بالوردية وفي تأسيس مجلة قصص واتحاد الكتاب التونسيين وانغمس في الحياة الفكرية والأدبية التي كانت متطورة كثيرا وقتها. سنة 1968 جمع حسن نصر قصصه في كتاب اختار له عنوان "ليالي المطر" وتحصل به على الجائزة التشجيعية لوزارة الثقافة ثم روايته "دهاليز الليل" التي تحصلت الجائزة نفسها وترجمت إلى اللغة الروسية ضمن مجموعة من كتابات عدد من الكتاب التونسيين في سبعينات القرن الماضي. بعدها أصدر كتاب "52 ليلة" وهي مجموعة قصص كتبها في الملحق الثقافي لجريدة العمل في ركن عنوانه "قصة تقرأ في دقيقة"
ثم واصل حسن نصر الكتابة في إطار إيمانه بأن مرحلة المطالبة بالتحرر كللت بالنجاح وكان لا بد من أن تتبعها مرحلة بناء الإنسان التونسي وصرح للحاضرين الذين كانوا يستمعون بانتباه إلى حديثه الشيق بأنه من عشاق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يخطب أسبوعيا لتوعية شعبه وتثقيفه يتحدث في كل المواضيع وينظر الى المستقبل ولا يلتفت للوراء وللماضي
الموهبة بلا عمل تموت
لقاء حسن نصر مع عشاق الرواية ورواد بيتها أداره الكاتب محمد الحباشي وتوجه لضيفه بأسئلة دقيقة فتحت شهيته للحديث وقد عرفناه كثير الاسماع قليل الكلام وقال حسن نصر: "الهواية وحدها لا تصنع كاتبا بل لا بد لها من العمل والعمل الدؤوب والتفاني فيه، ولا تزهر ولا تعمر" وأضاف: "المواضيع والأفكار على قارعة الطريق والسؤال هو هل لديك استعداد للكتابة أو لا؟ وهل تمتلك الاداة والحس والأسلوب لتوصل تلك الأفكار إلى القارئ؟" ويرى أنه يجب معرفة كيف نكتب كل فن لأنه لكل فن أسلوبه ولكل منا حاسة سادسة خاصة به قد تتبلور في الكتابة أو في التمثيل والتلحين أو اختراع الأشياء وكل منا إذا بحث عن نفسه وفيها سيجد حاسته السادسة.
وعن الجيل المؤسس للرواية في تونس وهو أحدهم تحدث حسن نصر قال: "أتابع الحركة الأدبية في تونس منذ الخمسينات وفي نادي القصة منذ سنة 1964 وأذكر أن قدوم فريد غازي الى تونس ألهب الدنيا فهو الذي عرفنا على محمود المسعدي وعلي الدوعاجي، كنا نقرأ له في الصحف والمجلات (الفكر) وكان أساتذة الجامعة ينتقدونه لأنه يخطئ في الصرف والنحو.. في مرحلة ثانية كونت مع العروسي المطوي ومحمد صالح الجابري ومحمد يحيى مجلة قصص للتعريف بالكتاب الآخرين وأول من عرفنا به هو علي الدعاجي الذي كانت كتاباته مشتتة فجمعناها وبوجودنا في نادي القصة والتحاق آخرين معنا كونا حركة أدبية ونشرنا المجموعات القصصية.. ومنذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تطعمت الحركة الأدبية في تونس بأسماء كثيرة لها إنتاج جيد بعضها صمد وبعضها اندثر ولم يواصل التجربة وفي السنوات الأخيرة أصبحت أقرأ روايات مقنعة لعدد من الكتاب وأذكر أني في السنة الماضية أعجبت برواية خيرية بوبطان "ابنة الجحيم" ومازلت أكتشف كتابات وأسماء كاتبات تونسيات رائعات يقنعنني بإبداعهن"
لماذا لا يشتهر الكتاب التونسيون عربيا ودوليا؟
خلال الجلسة تم التطرق كذلك إلى علاقة الرواية بالواقع وإلى قدرة الكاتب التونسي على تغيير الواقع، سؤال جعل حسن نصر يأسف لأنه لا وجود للكاتب التونسي في العالم العربي مثل الطيب صالح ونجيب محفوظ وغيرهما وقال: "لا يسمع بنا أحد خارج تونس رغم أنه من بيننا من يكتب ويواكب ويبدع ويقنع ولا أحد من الكتاب التونسيين نال شهرة عالمية أو عربية كما يستحقها وحتى محمود المسعدي وقف أسلوبه في الكتابة بينه وبين الانتشار" ذلك أنه ليس لدينا دور نشر قادرة على أن تصنع الأسماء وتشهر الكتّاب وتوزع كتبهم بانتظام وتعرف بهم في المعارض العربية والدولية كما توجد في مصر ولبنان وسوريا وغير ها من البلدان، إضافة إلى عدم قدرة الإعلام التونسي حاليا على مواكبة ونشر الدراسات النقدية والأدبية والقراءات وكذلك تخلي الصحف عن الملاحق الأدبية والثقافية واندثار أغلب المجلات التي لم تبق منها إلا مجلة قصص وبالمناسبة طلب حسن نصر من إدارة "بيت الرواية" أن تعمل على تأسيس مجلة لنشر الإبداع ونقده والتعريف به.
أسئلة الحضور كانت كثيرة ومتنوعة وتم خلالها تعديد ما تحصل عليه الكتاب التونسيون من جوائز عربية وتتداول بعض الأسماء عربيا مثل اسم الروائي شكري المبخوت الحاصل على البوكر العربية ولاحظ الكاتب والناقد نور الدين الخبثاني أن نادي القصة بدأ في إنزال تونس في المشهد الأدبي العربي وبعد 60 سنة جاء "بيت الرواية" ولعلنا نخرج أخيرا من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التنظير ونصل بين تجربتي نادي القصة وبيت الرواية. فأجاب حسن نصر قائلا إن كل جيل يصنع طريقه وأسلوبه وإن كان لا يعتبر نفسه من جيل قديم لأنه موجود على الساحة ومازال يكتب بطريقة مستقبلية وقريبا تصدر له رواية "أبو بكر الشبلي صاحب الأحوال" لتنضاف لكتبه "ليالي المطر" و"دهاليز الليل" و"السهر والجرح" و"خبز الأرض" و"دار الباشا" و"كائنات مجنحة"
يذكر أن الموعد القادم لبيت الرواية سيكون مع تظاهرة "دون كيشوت في المدينة" أيام 10- 11- 12 أكتوبر 2018