افتتح بيت الرواية ظهر الأربعاء 19 سبتمبر 2018 موسمه الثقافي الجديد بلقاء مع الروائية التونسية هند الزيادي وتم خلاله التعريف بأعمالها وتقييم ونقد روايتها "الصمت سكيزوفرينيا" فكانت الأمسية شيقة تبادلت خلالها الروائية الرأي والفكرة مع مجموعة من الحضور وكان بينهم الكاتب والناقد والإعلامي والتلميذ والطالب من الرواد العاديين لجلسات "بيت الرواية" والذين جاؤوا للتعرّف على هند الزيادي ومناقشتها في أسلوب طرحها للقضايا المسكوت عنها في المجتمع العربي جلسة غاب عنها الكاتب كمال الرياحي مدير بيت الرواية ومؤسسه وواضع برنامج موسمه الثقافي الحالي لأسباب صحية، عقبتها جلسة احتفاء وتصوير مع الكاتبة التي فاجأت الكل بقدرتها على الاقناع والتحاور مع الآخر والإنصات اليه وبتمكنها من التعبير عن أفكارها بسلاسة وخاصة على الإقناع ولعل هذا يعود الى تكوينها الأكاديمي حيث أنها أستاذة متحصلة على الإجازة في الأدب العربي وعلى الماجستير في الفنون المرئية، وتحرص على تعليم تلاميذها الفكر النقدي والحوار الراقي البناء الذي يتعلمون منه أنهم جديرون بالإحترام وأن أفكارهم قيّمة تستحق الإنصات لها والعمل بها.
احتقار الذات، الانتحار أو المقاومة بالفن والثقافة
لماذا الصمت؟ ولماذا يعتبر الخوض في قضايا نعايشها يوميا محرما؟ هل هو الخوف من التطبيع معها وهل يعود هذا التحريم إلى ذهنية التحريم الديني أو إلى العادات والأعراف الاجتماعية؟ وكيف يمكن للرواية أن تتخطّى الأقنعة وتهدم الصمت بمطارق الإبداع؟ أسئلة تم توجيهها لكاتبة رواية "الصمت سكيزوفرينيا "هند الزيادي" فدافعت الكاتبة عن روايتها وعن رؤاها بكل ثقة في النفس.
تتحدث رواية "الصمت سكيزوفرينيا" عن طبيبة نفسية تكتشف تقصيرها في معالجة قضايا سفاح القربى وهذا الفشل والتقصير جعلاها ترتد الى ذاتها لمعالجة ما حصل لها في طفولتها وعلاقتها المتوترة وغير السوية مع جسدها.
قدمتها هند فقالت: "إنها رواية بناء الذات المحطمة اثر اعتداء غاشم"، عالجت بين سطورها حالتين إنسانيتين تعرضتا لنفس الألم واختارت كل منهما أن تعالج المها بطريقة معينة الأولى انتحرت بسبب معاناتها من احتقارها لذاتها واختارت الثانية أن تقاوم بالفنّ والثقافة لتعيد اكتشاف جسدها وتتعلّم أن تحبّه وتحترمه لتواصل العيش بطريقة سويّة متوازنة.
وقد استفادت هند الزيادي من عملها التطوعي صلب جمعية تعتني بالصحة النفسية للام والأسرة وتساعد في تشخيص مشاكل العائلة وعلاجها على الاطلاع على الأمراض النفسية وعلى أعراضها وأساليب علاجها وساعدها حضورها في خلايا الإنصات على كتابة روايتها هذه، حيث اكتشفت بأن الواقع أشد تعقيدا من الشعارات التي ترفع هنا وهناك وتأكدت من أن الواقع الرديء لا يغير بالقوانين فقط وإنما أيضا بالعمل الميداني الدؤوب وبالفنون بكل أشكالها.
في رواية "الصمت" وجهت الكاتبة رسالة إلى القارئ ودعته إلى البقاء حبيس ألم الماضي وشق طريقه نحو مستقبل أفضل من واقعه، لأن أفضل وسيلة للتغلب على الأوجاع هي مواجهتها.. وحب الذات وتقبلها والقطع مع الاستسلام والتقوقع داخل الوجع.
في بداية حديثها مع الحضور عبرت الروائية هند الزيادي عن سعادتها بالدعوة التي وصلتها من "بيت الرواية " وقالت إن هذا البيت مكسب لا بد من التفاف كل المثقفين والكتاب حوله، لأنه يعطي فرصة للروائيين التونسيين كي يتعرفوا عن قرب على بعضهم البعض ويعرفوا الآخر التونسي والعربي بإبداعهم من ناحية ولأن هذا البيت يعرّفهم بالروائيين العرب والأجانب الذين يستضيفهم من ناحية أخرى عند تنظيم الملتقيات والندوات والتظاهرات الخاصة بالرواية بصفة عامة. وأضافت هند :"بيت الرواية سيساعدنا على الخروج من حالة التقوقع التي نعيشها نحن الكتاب لذا أرى أنه من الأجدر أن نلتف جميعا حوله وأن نستجيب لدعواته ونساهم في إنجاح مساعيه."
التجربة الإبداعية: صوت الروائي والسارد و صوت الناقد
كان للجلسة محوران الأول تناول تجربتها الإبداعية التي اعتبرتها يافعة وهي التي بدأت بقصتها الأولى التي تحصلت بها على جائزة دار سيراس للنشر سنة 1995 وكان عنوانها "يحدث في كار الطاهر"، التي نشرتها سيراس في مجموعة مشتركة باللغتين العربية والفرنسية. والمحور الثاني تناول تجربتها وقد نضجت ولفتت إليها الانتباه في تونس وفي الوطن العربي سواء عندما أصدرت الطبعة الاولى لروايتها "الصمت سكيزوفر ينيا" أو عندما أصدرت رواية " لافايات".. جلسة اعتبرتها هند ناجحة لأنها وكل الحاضرين فيها استمعوا خلالها إلى صوت الروائي والسارد وإلى صوت الناقد وقالت: "إن مثل هذه الجلسات لا يمكن إلا أن ترتقي بالإبداع التونسي سواء كان رواية أو نقدا فكلاهما يستفيد من الآخر" .
وترى هند الزيادي حسب ما صرحت به بعد الجلسة أن الكتابة عن المسكوت عنه اليوم نوعان الأول عندما يحس الكاتب بالمسؤولية ويكون صاحب رسالة وصوتا من أصوات مجتمعه فيعبر عن هموم المجموعة وقضاياها وهذا هو الكاتب الذي يحقق الرقي في معالجة الخطايا دون أن يسقط في البعد الأخلاقوي. وهناك نوع آخر من الكتاب عن المسكوت عنه تحركهم الأنانية ولا يستطيعون تجاوز رغبتهم في البروز فتراهم يستغلون المناطق الحساسة ليدغدغوا جيوب وعقد وغرائز المتلقي من أجل الظهور وتحقيق الربح بأنواعه وعلى الكاتب أن يختار إما أن يكون صاحب رسالة أو تاجرا.
تصالحنا مع اجسادنا يجنبنا الشرور والمآسي
من خلال الحضور في هذه الجلسة أرادت هند الزيادي أن تتوجه برسالة خاصة وأحبت حسب ما صرحت به أن تقول :" أنا موجودة تحصلت على جائزة في أواسط تسعينيات القرن الماضي ولم اشرع في نشر كتاباتي إلا سنة 2006 كتبت ولفتت كتاباتي الانتباه واشترت روايتي الأولى شركة إنتاج مصرية ورغبت إيناس الدغيدي في تحويلها إلى فيلم بعنوان "زنا المحارم" وروايتي الثانية اشترتها مني شركة انتاج تونسية وهذا يعني أنه لقلمي قدرة على شد انتباه القراء."
وهدفها الثاني من هذا اللقاء هو أن تساهم ولو قليلا في تحريك المياه الآسنة وأن تطرح القضايا المتعلقة بتعاملنا مع الجسد وتواصل هند موضحة أكثر: " لو كنا مرتاحين في علاقتنا بأجسادنا وكنا أسوياء لتجنبنا الكثير من الشرور والمآسي.. أردت كذلك أن أطرح رؤيتي للقضايا الفنية والتقنية المتعلقة بالكتابة وتلاقح الفنون وتراشحها وتداخل الأجناس في كتابة الرواية."
كان من بين الحاضرين في الجلسة الناقد نور الدين الخبثاني الذي رأى أنه من الجيد والطريف أن طرحت اليوم قضية المسكوت عنه والدفاع عن الجسد الذي تعنفه الثقافة بكل ما لديها من آليات عائلية ونفسية واجتماعية وغيرها وصرح بأن مستوى النقاش كان عاليا من حيث تناول مفاهيم الجسد والثقافة والسياسة وفنون الكتابة لدى هند الزيادي التي تمكنت من المزج الجيد بين الفنون المختلفة من رواية ومسرح وسينما بأسلوب يعتمد على تعدد الأصوات والمفاجأة في النقلة السردية."
رواية "الصمت " صدرت في طبعة اولى في موسم 2008 / 2009 وثانية سنة 2018 ومازالت تنافس روايتها "لافايات" التي أصدرتها سنة 2016 ولهند أيضا عدد كبير من المخطوطات التي تنتظر دورها للوصول الى القارئ ولكن أقربها للصدور هي روايات "ممر آمن" و"السجينة " ومجموعة قصصية عنوانها "غرفة الاكاذيب" . لقاءات "بيت الرواية" مع المبدعين التونسيين تتواصل يوم الجمعة 21 سبتمبر 2018 مع الكاتب حسن نصر في قاعة صوفي القلي بمدينة الثقافة انطلاقا من الساعة الثالثة ظهرا .