وتصبو أن تكـون تقاطعا بيـن مجالـي السـينما والبحـث العلمـي مـن خـلال وزارتـي الإشـراف ؛ وزارة الشـؤون الثقافيـة ووزارة التعليـم العالـي والبحـث العلمـي. سيتم استضافة هذا الحدث العلمي في المكتبة السينمائية التونسيةً إيمانًا بدورها في دعم وتطوير البحث حول السينما التونسية وتسليط الضــوء عليــه وتقريبــه مــن الجمهــور العريــض و منحــه إطــاراً للتأمــل والنقـاش جامعـا لألكاديمييـن وصانعـي الأفـلام والنشطاء فـي مجـال السـينما والمهتميـن باألرشـيف وحافظيه.
تاريخيـا ، تـم تقديـم أول العـروض السـينمائية الباريسـية فـي تونـس فـي نفـس الوقـت بفضـل سـمامة شـكلي، أحـد مصـوري الأخوين لومييـر، وهــو الفضولــي، المطلــع، االســتثنائي، بالتعــاون مــع ابنتــه هايــدي. وهكــذا أصبــح التونســي ســمامة شــكلي أول صانــع أفـلام فــي القــارة (علـى الصعيـد الافريقـي والعربـي). وأصبحت هايدي أول كاتبة سـيناريو وممثلــة ومركبــة أفــلام.
معــا، صنــع رجــل وامــرأة تونســيان أفـلامـا فــي فتـرة كانـت فيـه السـينما ممارسـة يتمكـن مـن تقنياتهـا بضعـة عشـرة أشـخاص حـول العالـم.
يفتـح فيلمهمـا "زهـرة" ثغـرة فـي السـينما الاستعمارية فـي تونـس إذ يتعامـان بشـكل مختلـف مـع البلـد الذي ينتميان إليـه و كذلـك الأمر مع أبنـاء بلدهمـا وينخرطـان فـي لغـة سـينمائية تكشـف عـن ألفـة مؤكـدة. وهكذا يفتح سـمامة شـكلي، الأب التاريخي للسـينما التونسـية ،الدرب لأشكال متفردة أخرى ستظهر فيما بعد، من أهمها ما يقدمه حمودة بـن حليمة سـينمائي الإختـراق "الـذي يقطـع مـع الأسـاليب التقليديـة، ويعمل باسـتمرار على تطوير الطرق القديمة في الإنشـاء ضمن خطاب غيـر مرجعـي، يبتعـد عـن المحـاكاة المباشـرة للعالـم، ويجعله يلتقي مع رموز السينما الشـعرية."
هــذا المخــرج الســينمائي الــذي ســبح ضــد التيــار وكان أب الخصوصيــة التونســية للســينما، مهــد الطريــق لتجــارب الحقــة وخطابــات أخــرى وكتابــات ســينماتوغرافية أخــرى.
يتم تنفيذ هاته المشـاريع في ظل أنظمة مختلفة، في ظل سياسات ثقافيـة متعـددة علـى مـدى المائـة عـام. هكـذا تعالـج هـذه الخصوصيـة التونسـية للسـينما فـي مختلـف المداخلات والأفـلام المبرمجـة خـلال هـذه الأيـام.
إن التجــارب التــي روج لهــا صانعــو الأفـلام المدربــون فــي الجامعــة التونسـية للسـينما أو صانعو الأفـلام المكونـون في المـدارس الغربية للســينما ومــن بينهــم أولئــك الذيــن اختــاروا االســتقرار نهائييــا خــارج وطنهم مع االسـتمرار في إنتاج نوع أخر من "السـينما التونسـية"، هي ذات أهميـة بالغـة.
بالإضافـة إلـى أشـكالها الجماليـة الفريـدة، انفتحـت السـينما التونسـية منـذ بداياتهـا علـى جميـع أشـكال الكتابـة، لا سـيما الوثائقـي وكذلـك الروائـي المقتبـس مـن الأعمـال الأدبيـة. كمـا انفتحـت أيضـا ًعلـى جميـع المواضيـع، و لا سـيما الأكثر جرأة وتحـررا.
تحتل أعمال صانعـات األفـام فيهـا مكانـة متميـزة. لتقفـي تاريـخ الإنتـاج السـينمائي التونسـي وإرسـاء أسـس التفكيـر حـول منعطفاتـه المختلفـة، سـتركز مختلـف مداخلات الباحثين التونسـيين حــول أعمــال الآبــاء المؤسســين، حــول الخطابــات، حــول الكتابــات السـينمائية و حـول المسـارات الوعـرة للنسـاء المخرجـات و المخرجيـن التونسـين بالمهجـر.
دون إغفـال الاحتفـال بالذكـرى السـتين لتأسـيس الجامعـة التونسـية للسـينمائيين الهـواة ، حاضنـة صناع األفـام و حاضنة األعمال و حاضنة المهرجانات، ومع أخذ المساهمة الجوهرية للجامعة التونسية لنوادي السينما بعين الاعتبار، تدلي شخصيات من الأجيال الأولى بشهاداتها حـول سـياقات تأسـيس وتطـورات هذه المؤسسـات التكوينية.
إذ با إضافــة إلــى األفــام التــي أصبحــت حججــا للتأريــخ، تمــت برمجــة أفـلام مهمـة مـن حيـث قيمـة الشـهادات التـي تقدمهـا حـول السـينما التونسـية. وتكون العروض بحضور مخرجي الأفـلام فرصة لرواية قصة ظهـور هـذه السـينما ومواصلـة النقـاش، الـذي لـم يفتـأ قائمـا، حـول مسـائلها الرئيسـية، سـواء الأيديولوجية أو الاقتصاديـة.
فيلم "سـينما الاسـتعمار" من إخراج مختار العجيمي سـنة 1997 ، وهو الجـزء األول مـن ثنائيـة عـن تاريـخ السـينما التونسـية والعالميـة ، يتناول النظــرة المانوية للســينما الاستعمارية الفرنســية المســلطة علــى المغـرب الكبيـر ويكشـف عـن مسـاهمة سـمامة شـكلي فـي التحـول.
فيلم "ألبير سـمامة شـكلي، ذاك المجنون الرائع المصور بآالت غريبة" مـن إخـراج محمـود بـن محمـود سـنة 1996، يرسـم صـورة مسـافر ال يكل وال يمـل، فـي رحلـة الاكتشافات تكنولوجيـا عصـره، ورائـد فـي جميـع المجالات.
عــرض 35 ملــم لفيلــم مختــار مــن إخــراج صــادق بــن عايشــة عــام 1968 سـيكون فرصـة ليخبرنـا عـن نقطـة تحـول أخـرى : التسـاؤل عـن المثـل الأعلــى لســينما "البطــل القومــي" الــذي يواجــه واجبه فــي مقاربــة تفكيكيــة، من إخـراج حاتم بن ميلاد.
فيلـم "راعـي النجـوم"، ذو العـروض النـادرة جـدا عــام 1971 حــول علــي دوعاجــي، يربــط بيــن الشــهادات الثمينــة والصــورالمؤثــرة لبدايــة القــرن الماضــي. تســلط هــذه القصيــدة الســينمائية الضـوء علـى أنمـوذج مسـيرة فنان-مفكـر تونسـي. فيلم »كسوة، الخيط الضائع« من إخراج كلثوم برناز عام 1998 ، ً أيضا لم يَشـاهد كثيـرا. وهـو فيلـم يسـتنكر ثقـل التقاليـد فـي المجتمع التونسـي ويصبــو إلــى التخلــص منهــا ، فهــو يمثــل عمــلا ً نســائيا مــن "العصــرالذهبي" للسـينما التونسـية.
يوثــق فيلــم "قريتــي، قريــة بيــن القــرى" مــن إخــراج الطيــب الوحيشــي فـي عـام 1972 الصعوبـات التـي يواجههـا مجتمـع بصـدد التلاشـي فـي جغرافية الجنـوب التونسـي ويظهـر، بالقدر نفسـه من الشـاعرية، حنين المنفى والإقتلاع