هذه المسرحية من إنتاج المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف والمركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بزغوان، ومن أداء منى نور الدين وهاجر حمودة وخالد الزيدي ولزهر الفرحاني وعبد الكريم البناني وشيماء الزعزاع وحمزة الورتتاني ومنير الخزري وإيمان المناعي وآمنة المهبولي.
وبالتزامن مع ستينية تأسيس مسرح الحمامات، تعتلي الممثلة منى نور الدين ركحه في دور جديد بشخصية "حلومة" في مسرحية رقصة سماء، بعد أن اعتلته أول مرة في افتتاحه سنة 1964 بشخصية "ايميليا" في مسرحية عطيل للمخرج الراحل علي بن عياد.
وعلى إيقاع حياة "هالة" الشخصية الأسيرة في عالم العائلة، تتشكل مشاهد المسرحية ويتدفق النص فيها ليمضي من نقد ظواهر اجتماعية واقتصادية وثقافية إلى الانغماس في دواخل الإنسان.
بين الفني والإنساني، الواقعي والمتخيل، الماضي والحاضر، تتهادى المسرحية لتحمل المشاهد إلى كواليس صناعة الأفلام ؛ السيناريو والكاستينغ والديكور والتصوير و المشاكل والصعوبات.
من رقصة الدراويش تستمد "رقصة سماء" تفاصيلها، وتدور كل الأحداث على ركح المسرح ذو الشكل الدائري الذي طوعه المخرج الطاهر عيسى بن العربي حسب خصوصيات سينوغرافيا العرض.
وبين عالم "هالة" في القرن الحادي والعشرين وعالم "شمس الدين التبريزي" في القرن 13، يوجِد الطاهر عيسى بن العربي سبيلا بين القصتين ويخلق عالما مخصوصا بمثابة البرزخ بين العالمين الممتدين في الزمان والمكان.
مرض السرطان، الزهايمر، الصحة النفسية، الصراعات العائلية، الانهيار القيمي، الأوبئة، الحروب، الجهويات، الأحكام المسبقة، الصور النمطية، وضعية الفن والفنانين، إحالات تظهر فيما تبحث "هالة" عن الخلاص.
المطالعة كانت ملاذ "هالة" والكتاب كان بوابة للعبور بين الماضي والحاضر، إذ اصطدمت صدفة بالحب من خلال كتاب مؤلفه مغمور، ومن هنا ارتسمت ملامح روحانية وفلسفية في العرض.
رحلة العبور لم تقتصر على شخصية "هالة" فحسب، بل شملت كل الشخصيات التي تنقل فيها الممثلون بسلاسة بين الوضعيات الدرامية والكوميدية وبين المواقف الجادة والطريفة، وبين العامية والعربية الفصحى، بين تقلبات الحياة وحتمية الموت.
على إيقاع الثنائيات المتواترة، تحضر السينما بأسلوب لافت أضفى مزيدا من الجمالية على العمل المسرحي الذي يقوم على كتابة تحاكي رقصات الدراويش، وتظهر المشاهد المتخيلة في الشاشة ومشاهد أخرى من الواقع على غرار الأحداث التراجيدية في السودان وغزة.
تنطلق "رقصة سماء" من مسرح الڤودڤيل بما يحمله من نقد ساخر ووضعيات كوميدية، لترسم مسارات مسرحية تتشكل معها وضعيات درامية وتوغل أكثر فأكثر في الأبعاد الصوفية والروحانية.
إلى جانب النص المفعم بالفلسفة والعاطفة، والسينوغرافيا التي جعلت من مسرح الحمامات شخصية مستقلة بذاتها على نسق إضاءة تحاكي سير الأحداث، يمثل الكاستينغ نقطة قوة إذ نجح الممثلون في تجاوز اختبارات العبور بين لوالب النص ورقص كل منهم على طريقته.
وفي الندوة الصحفية التي عقبت عرض المسرحية ضمن برمجة الدورة الثامنة والخمسين للمهرجان، تحدث المخرج الطاهر عيسى بن العربي عن خصوصية مسرح الحمامات الدولي وما يضفيه من إلهام على مستوى السينوغرافيا.
كما تطرق إلى تحديات الإخراج المرتبطة بالعوامل الجوية في إشارة إلى الريح، وإلى كون هذه التجربة فرصة تعلم فيها تطويع المتاح لتخطي الصعوبات وإخراج العرض في أبهى حلة.
وناقش الحاضرون في الندوة أسلوب الكتابة اللولبية التي تقوم عليها "رقصة سماء" والتي تتمثل من الانطلاق من شخصية ما والسفر من خلالها في الزمان والمكان عبر تكثيف الأحداث والحالات.
وتحدثت الممثلة منى نور الدين عن تواجدها على ركح مسرح الحمامات في ستينية التأسيس بعد أن اعتلته في مسرحية "عطيل" حينما كانت تبلغ من العمر 25 سنة.
كما أعرب فريق العمل عن فخرهم بهذه التجربة الفنية والإنسانية المختلفة والتي قدمت لهم مساحات واسعة للأداء المتلون بصورة غير نمطية.
وبعد سهرة جمعت محبي الفن الرابع، سيكون لرواد المهرجان موعد مع عرض موسيقي يجمع الفنانة اللبنانية تانيا صالح و المجموعة السورية اللبنانية بدوين برجر، وذلك في سهرة 23 جويلية 2024.