يبدو ما فعله وزير الأوقاف الأردني، الدكتور عبد الناصر أبو البصل، مؤشراً جديداً على مستوى الاشتباك خلف الستارة والكواليس بين الأردن وإسرائيل. الوزير أبو البصل أصدر تعميماً بعد مشاورات مكثفة مع الأجهزة الأمنية، مساء الخميس، يقضي بإغلاق مقر «النبي هارون» في مدينة وادي موسى، جنوبي البلاد، بعد قيام مجموعة من السياح الإسرائيليين بطقوس «يهودية» علنية، في خطوة استفزت السلطات الأردنية وأثارت جدلاً اجتماعياً. هذه الطقوس أصبحت سياسياً، مجدداً، عنواناً لأزمة داخلية أكبر بين الأردن وإسرائيل عشية التسارع المريب بالنسبة لعمان في برنامج وبروتوكول ما تسمى «صفقة القرن»، ولقاء «كامب ديفيد» الجديد المتسارع.
وزير الأوقاف أغلق مقام «النبي هارون» وعمان لا تريد «التقاط الصور فقط» في كامب ديفيد مباشرة بعد مغادرة المستشار الأمريكي جاريد كوشنر، ثارت على منصات التواصل الاجتماعي قضية الطقوس اليهودية التي أقيمت بصورة مستفزة للمجتمع الأردني، في منطقة وادي موسى، وبالقرب من مدينة البتراء الأثرية الشهيرة. اتخذ الوزير أبو البصل، بعد مشاروات، قراراً سريعاً بإغلاق مقر النبي هارون الذي اختارته مجموعة متدينين يهود، دخلت البلاد على أساس زيارة سياحية، مكاناً لإقامة طقوس وشعائر دينية علنية، وسط ذهول مواطني المنطقة من المواطنين الأردنيين.
ونشر مئات من أهالي المنطقة وغيرهم صوراً وتعليقات بالجملة، تظهر مستوى الاستفزاز، وتوجه اللوم للسلطات الأمنية التي ترافق المجموعات السياحية بالعادة. وعلى منصات التواصل الاجتماعي جرى بكثافة استذكار ما سبق أن طرحته علناً في أعوام سابقة، وزيرة السياحة مها الخطيب، عندما أعلنت بأن السائح الإسرائيلي هو «الأبخل» من بين زوار الأردن الأجانب، ولا ينفق المال في الأردن، ويأتي لأغراض دينية إلى بعض المواقع.
الخطيب، عندما كانت وزيرة، حققت في مزاعم حول إحضار بعض السياح الإسرائيليين لقطع أثرية يقومون بدفنها في صحن مدينة البتراء.
ومع قرار الوزير أبو البصل بإغلاق مقام النبي هارون، أصبحت مدينة وادي موسى والبتراء هدفاً للإعلام المحلي ولتوسع طموحات اليمين الإسرائيلي. وسبق لسياح يهود قبل عدة أسابيع أن أثاروا جدلاً مماثلاً عندما رقصوا على وقع ترانيم دينية داخل صالة المغادرين في مطار عمان الدولي. اللافت أن إغلاق مقام النبي هارون أعقب زيارة مثيرة لكوشنر قام بها إلى عمان. كما أعقب تسريبات تؤكد بأن العلاقة بين الأردن وإسرائيل في «أسوأ أحوالها» اليوم على المستوى السياسي، خصوصاً أن الانتخابات الإسرائيلية المكررة والمؤجلة أصبحت محطة انتظار بخصوص ترتيبات «صفقة القرن»، وفقا لأرفع المسؤولين الأردنيين.
العاهل الملك عبد الله الثاني شخصياً كان قد ألمح إلى أن «صفقة القرن» تأجلت إلى إشعار آخر، بسبب إخفاق أي طرف في تشكيل حكومة بعد الانتخابات الأخيرة في تل أبيب. لكن أجندة زمنية جديدة تبدلت وفرضت على الأردن بزيارة كوشنر، وبطريقة لم تفهم بعد، وبصورة يرجح السياسي والوزير الأردني الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، أن الهدف منها تطوع الإدارة الأمريكية مجدداً لمساعدة بنيامين نتنياهو في الانتخابات المكررة.
وتساند شخصيات بارزة رأي الحلايقة والخبراء، من بينها رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، والمفكر السياسي عدنان أبو عودة.
في رأي غرفة القرار الأردني فإن كوشنر وطاقمه يسعيان إلى تمكين نتنياهو ليس من الفوز في الانتخابات المبكرة فقط، ولكن من تشكيل الحكومة، الأمر الذي يبرر جولة كوشنر الأخيرة والتسريع في وضع «مسار سياسي» للصفقة الأمريكية بصورة مباغتة، والتحضير لمشاورات النسخة الجديدة من كامب ديفيد، برعاية الرئيس دونالد ترامب وزعماء المنطقة.
هنا حصرياً، جدد العاهل الأردني – على هامش استقباله كوشنر – رفضه لتفاصيل الصفقة السياسية عندما تمسك بخيار حل الدولتين، وقال علناً إن أقل من دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية لا يعني شيئاً.
يستعين الموقف الأردني بتأكيد على المقدار نفسه صدر عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ونقل مصدر مطلع جداً لـ «القدس العربي» عن القرار الأردني بأن عمان لا ترغب في الذهاب إلى كامب ديفيد بهدف «التقاط الصور» فقط، كما حصل في مؤتمر البحرين الاقتصادي المثير للجدل، لكن إذا كان الهدف إجراء حوار مع ترامب وفريقه فالأمر يختلف.
في هامش المشهد، كشف النقاب عن المعلومة الأكثر إثارة التي تقول إن نتنياهو طلب أخيراً «لقاء» خاصاً مع العاهل الأردني، لكن الأخير رفض وبشدة إجراء أي ترتيب أو اتصال في هذه المرحلة، ما أثار غضب نتنياهو. وفي ضوء الموقف العلني للعاهل الأردني برفع شعار «ليس أقل من دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية»، تبرز قضية الطقوس الدينية اليهودية في حضن مدينة البتراء، لتضفي طابعاً شعبياً على سلسلة مناكفات سياسية الطابع أخطر ما فيها توقيتها. الموقف «حرج للغاية» الآن بين اليمين الإسرائيلي والأردن لعدة أسباب. وفي الغرف المغلقة توصف ترتيبات كوشنر ومقترحاته بأنها «كارثة على هوية الدولة الأردنية».