يجلب الحظ السعيد والثراء، هكذا ارتبط "الجعران" في ذهن المصري القديم، ما جعله عنصرا رئيسيا في تزيين المقابر والمعابد الفرعونية على مدار الأسرات المختلفة. ومؤخرا، أعلنت الآثار المصرية اكتشاف أكبر جعران حجري في العالم ضم مقتنيات خبيئة "الحيوانات والطيور المقدسة" بمنطقة سقارة بالجيزة، غربي القاهرة. وحرص الفراعنة على تحنيط الجعران وصناعة تماثيل مختلفة له، فما السر وراء اهتمام الفراعنة بالجعران؟
الاستمرارية
والجعران حشرة سوداء من عاداتها تكوير الروث ووضع بيوضها فيه ودحرجته أمامها وتجميعه، وساهمت عملية تجميعه للروث في زراعة المحاصيل وتهوية التربة باستمرار، ما جعله مصدرا للخير وحامي للحيوانات من الإصابة بالفيروسات الضارة الناتجة من الروث. وطبقا لتفسير الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين المصريين، فإن اسمه يعني "يأتي إلى الوجود بصور معينة"، ثم تطور بعدها المعنى إلى "يكون" أو "يصير". وبمرور الوقت، حظي الجعران بمكانة كبيرة عند الفراعنة، ليصبح رمزا للإله أمون رع إله الشمس. وتدريجيا تحول الجعران إلى هدية قيمة عند الفراعنة، وأهدى الملك أمنحتب الثالث أحد ملوك الأسرة الـ18 تمثالا على هيئة جعران إلى زوجته الملكة "تي"، كنوع من التعبير عن استمرار حبه لها.
مكانته
وتعددت المواد المستخدمة في تصنيع الجعران، بداية من الحجر ثم العقيق وحجر الفيروز والبازلت، وصولا إلى الذهب والفضة الذي كان ينتمي لطبقة الملوك والملكات. وأصبح الجعران جزءا من الميثولوجيا المصرية القديمة (علم الأساطير)، لارتباط طبيعة هذا الكائن بالتخلق التلقائي، وفقا لحديث كبير الأثريين المصرية لـ"العين الإخبارية". وعدد الدكتور مجدي شاكر استخدامات الجعارين المصرية في الحياة العامة، قائلا: "الكثير من الجعاريين استخدمت كأختام تحمل اسم الموظف وألقابه، وأخرى حملت أسماء ملكية نقشت بالصفات التي تمثل كل ملك أو ملكة من الأسرة القديمة إلى الحقبة المتأخرة". ودونت على الجعارين عبارة "من خير رع" وهي تخص الملك تحتمس الثالث، وتعني "عسى أن يستمر رع في جلب الحياة". ووضع على الجعارين التذكارية اسم الملك ولقبه، إضافة لنقوش حلزوينة وزجزاجية وصور للآلهة المصرية وحيوانات وطيور مقدسة، وكتابة الأمنيات القديمة مثل "راحة البال خير من الغضب، آمون قوة الوحيد، وعام سعيد". ويسرد شاكر: "أصبح الجعران تميمة المصري القديم الذي يحمل لصاحبه البعث من جديد ويمده بالحظ السعيد ويجدد شبابه، خاصة الأنواع المصنوعة من قيشاني أخضر أو أزرق أو بني أو الأحجار، ظنا منه أن هذه الحشرة تحمل بداخلها قوة الحياة، ما جعلها جزءا من مقتنيات المقابر والمعابد الفرعونية". ولم يتوقف استخدام الجعران كهدايا رمزية فقط، بل دخل في صناعة الحلي التي اهتمت بها الملكات الفرعونية، ووضع داخل أكفان الموتى كنوع من مد العون له في العالم الآخر.
أساطير وأشكال
أساطير كثيرة دارت حول تأثير الجعران في الحياة والعالم الآخر، وكان جعران "البحيرة المقدسة" في معبد الكرنك بالأقصر أكثر الجعارين المرتبطة بهذه الأساطير، وهو يمثل قرص الشمس "رع" ومثبت على منصة مكونة من حجر الجرانيت الوردي بطول 190 سم ووزن أكثر من 5 أطنان، وتم تشييده في عهد الملك "أمنحتب" الثالث في القرن الـ 14 قبل الميلاد. وأوضح شاكر أن المعتقدات القديمة تشير إلى أن الطواف حول جعران البحيرة المقدسة 5 مرات هدفه إبطال الحسد وجلب الحظ السعيد، بينما الطواف 3 مرات من أجل الثراء، والطواف 7 مرات بهدف إنجاب الأطفال، وتطوف الفتاة الراغبة في الزواج 6 مرات. وأشار إلى أن هذه الأساطير انتقلت من المصريين إلى السائحين، وهو الأمر المرتبط أكثر بالمورث الشعبي وليس بالعقيدة الفرعونية. ولا تزال تحتفظ جدران مقابر وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر صورا للجعارين، وأكثرها شهرة جعران ضخم أسود يخرج من الرمال لسحب كرته المتوهجة. وعن طرق التعرف على تاريخ إصدار الجعران، يقول الخبير الأثري: "الطبقة الأرضية للجعران تصبح دليلا للأثري للتعرف على تاريخ إصدارها، ويتمكن الخبير من تحليل رموز وأسرار الجعارين والتعرف من خلالها على حياة مصر الاجتماعية والاقتصادية في فترة إصدارها".